هل آلامنا الجسدية تكشف معاناتنا النفسية؟
في أحيان كثيرة نعاني من آلام حقيقية، مع أننا لا نجد لها سببًا جسديًا مباشرًا. صداع مستمر أو آلام في الجهاز الهضمي أو التهابات متكررة، فهل تكشف هذه الآلام معاناتنا
“أصبحت شخصًا آخر بعد وفاة أبي”..
“كانت وفاة زوجي ولا تزال علامة فارقة في حياتي”..
لا يمكن أن يزورك شعور الفقد بعد أن يرحل عزيزًا عليك، وتعود كما كنت تمامًا. في مرحلة من مراحل حياتنا، اختبر كل منا شعور الفقد، لكن هذه المشاعر حين ترتبط بشخص عزيز جدًا كالوالدين أو الابن أو شريك الحياة، تجعل التعامل معها يبدو أصعب.
الشعور الأول الذي سيزعجنا هو العجز. فحين يرحل هذا الحبيب، لن تستطيع أن تعيده أو تغير الموقف أو تفعل أي شيء.
رويدًا رويدًا سنفهم أن مَن رَحل لن يعود بالفعل، وسيكون غريبًا علينا متابعة حياتنا بدونه. البعض يمر بفترة عُزلة وانغلاق، والبعض الآخر ينهار من البكاء ونوبات الغضب، بينما هناك من يرفض التسليم بحقيقة موت عزيز عليه ويرفض التعاطي مع مشاعره.
وهناك مَن يشعر بالذنب على كل موقف سلبي حصل مع المتوفى، وهناك مَن يرغب في الرحيل سريعًا وراء حبيبه.
كل ردود الفعل السابقة طبيعية تقريبًا، فنحن كبشر نختلف في استجاباتنا لمشاعر الفقد حسب درجة قرب الشخص المتوفى، وظروف الوفاة، والذكريات المرتبطة به، والبيئة المحيطة الداعمة.
منطقيًا ونفسيًا، نحن نتألم عندما نبدأ حياة جديدة بدون المتوفى، خاصة إذا كان عنصرًا أساسيًا في حياتنا، كالوالدين أو شريك الحياة.
إذا كنت تعتقد أن الحزن هو ما ستشعر به فقط، فأنت مخطئ. وفاة عزيز علينا تفجّر فينا كل المشاعر تقريبًا. من الحزن إلى السعادة مع الذكريات إلى الشوق إلى الغضب من رحيله إلى الشعور بالذنب وغيرها الكثير من المشاعر المتضاربة.
قد تشعر في لحظة أنك ستُجنّ أو أنك إنسان غريب. تقبّل مشاعرك وأطلق لها العنان وعبّر عنها بالطريقة التي تريحك. لا يوجد صواب أو خطأ في ذلك، طالما أنك لا تؤذي نفسك.
لا مفرّ من أن حبيبك الذي رحل أصبح ذكرى، وبدلًا من التركيز على ذكريات الموت المحزنة، يمكنك التركيز على الذكريات الجميلة معه، لتصبح صديقتك حين تفتقده.
تذكّر الأوقات الجيدة معه، واشعر بالامتنان على تلك اللحظات، وفكّر في تحويل الذكرى إلى تقليد جديد. قد تخصص تبرعًا ثابتًا باسم المتوفى، وقد تسمّي جمعية أو مدرسة باسمه، وغيرها العديد من الأفكار التي تساعدك بالفعل.
كان هذا جزءًا من حوار أثار انتباهي مع شخصية شهيرة، بعد فقدان والدتها ب6 سنوات. أثناء الحديث عن والدتها تغيرت نبرة صوتها، ولمعت عيناها، وتمنّت بشدة لو أن والدتها لم ترحل، ولكن..
هذه المشاعر لم تمنع “شخصيتنا” من الاستمرار في العمل والسعي وتحقيق النجاح الذي كان سبب تلك المقابلة التلفزيونية.
استئناف الحياة لا يتعارض مع استمرار مشاعر الحنين للحبيب الذي نفتقده، طالما أننا ندير مشاعرنا بطريقة صحيحة ونعبر عنها ونفرّغها باستمرار.
إذا شعرت أنك حزنك وألمك يتفاقم مع مرور الوقت، ولم تلاحظ أية أعراض للتحسن أو فقدت قدرتك على أداء مهام الحياة، ينبغي لك استشارة مختص.
الحزن المستمر سيؤدي إلى الاكتئاب واضطرابات نفسية عديدة، والتعافي منه سيستغرق وقتًا وجهدًا كبيرًا. قبل أن تصل إلى هذه المرحلة، أو قبل أن تفقد السيطرة على مشاعرك كليًا، اطلب الدعم من معالج نفسي، ليسير معك وفق خطوات علاجية مدروسة.